| 0 التعليقات ]

مدخل لدراسة علم الأديــــــان
تعريف علم الأديان :
هو علم يبحث في الأديان من حيث منشئها وتطورها وانتشارها وأتباعها  في العقائد والأصول التي تتركز عليه الأديان المختلفة وفي أوجه الاختلاف والاتفاق فيما بينهما مع المقارنة والمناقشة والرد.
وهو يشتمل على ثلاثة مباحث :
1-    المبحث الأول : تاريخ الأديــــــــــــان.
2-    المبحث الثاني : فلسفة الأديان ، يدرس في هذا المبحث العلاقات بين الأسس التي تستند إليها الأديان المختلفة، من عقيدة وعبادة وشريعة وأخلاق ومعاملات التي تهدف إليها.
3-    المبحث الثالث : مقارنة الأديان : ويدرس فيه خصائص ومميزات كل دين ويوازن بينها وبين خصائص ومميزات الأديان الأخـــرى.
وإذا نظرنا من وجهة الشريعة الإسلامية ، فإن أي دراسة للأديان لابد أن تتضمن تلك الأبحاث مجتمعة إذ لا يجوز دراسة تاريخ الأديان مستقلة لغرض المعرفة فقط، كما لا يصح مقارنة الأديان بدون نقدها وتمييز الحق فيها عن الباطل، وإذا فالأبحاث الثلاثة متلازمــــة.
نشــأة علــم الأديـــــــان :
         الكتابة في الأديان وتفصيل عقائد الناس وعبادتهم وكذلك عقد المقارنات بين الأديان أول ما نشأ في بيئة إسلامية ، إذ المسلمون هم أول من كتب في هذا النوع من العلم وأفرده بالتصنيــف.
         وقد اعترف مفكرو الغرب في القديم والحديث بذلك فقد أشاد العلامة –يينارددولابولي– في كتابه ) الدراسة المقارنة للأديان( بابن حزم الأندلسي باعتباره رائدا لمقارنة الأديان في الفكر الإنساني كلـــه.
         وأما الأستاذ –إبريك ج شارب  - فيرى أن شرف كتابة أول تاريخ للأديان في العالم يختص به الشهرستاني، الذي وصف أديان العالم العشرة المعروفة آنئــذ، وإلى حدود الصين ، اعتمادا على منهج تاريخي وعلمي دقيق. ويقول : فرانز روزنتال إن الغرب يعترف صراحة ، بأن الدراسة المقارنة للأديان تعد واحدة من الانجازات العظيمة للحضارة الإسلامية ، أسهمت في التقدم الفكري للإنسانية كلها.
         وكون علم الأديان ظهر مع المسلمين ولم يظهر مع أصحاب الأديان السابقة ، لأن الأديان قبل الاسلام لم يعترف أي منها بالآخـر. وكان كل دين يعد ما سواه من الأديان وما تطرحه من أفكار ومعتقدات نوعا من الهرطقة والضــلال.
* بواعث نشأة علم الأديان عند المسلميــــن :
         كان وراء نشأة هذا العلم في الفكر الإسلامي بواعث ودوافع تآزرت وتساندت في توجيه العلماء لوضع هذا الحقل العلمي الجديد وتنميته وتطويره موضوعا ومنهجا أهمها :
- حديث القرآن الكريم عن عقائد الناس وعباداتهم السابقة واللاحقة لوقت نزولـه.
- انفتاح المسلمين وتسامحهم مع الشعوب والدخول معهم في الحوار والدعوة إلى الدين الجـــديد.
تعريف المسلمين للديــن
إنقسم المسلمون في تعريفهم للدين إلى قسمين :
قسم حاول تعريفه بالمعنى الاصطلاحي الإسلامي :
فعرفـه بعضهم بالإســلام :
فاستدلوا : لغة : الدين = الإســــلام
شرعا : قول الله تعالى :" إن الدين عند الله الإسلام"
وعرفه آخــرون بالتوحيــد :
واستدلوا : لغة : الدين = الذل والانقياد والطاعة والخضوع.
شرعا : " قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون"
وهناك تفسيرات أخرى للدين عند هذا القسم الأول.
قسم حاول تعريف الدين بالاصطلاح العام نذكر منهــا :
تعريف 1 :* هو وضع إلهـي سائق لذوي العقول باختيارهم إياه إلى الصلاح في الحال، والفلاح في المـــآل.
ما يؤخذ على هذا التعريف :
أنه لا يشمل إلا الديانات السماوية.
أنه لا يدخل إلا الديانات التي تتضمن نظم تشريعية وطقوس تعبدية.
تعريفه 2 :* هو ناموس أبدي مطلق، كامنة بذوره في كل نفس حية مدركة، وهو يشمل في محيطه الواسع بذور كل ديانة وملة قديمة أو حديثة.
ما يؤاخذ عليــه :
أنه يعمم اعتناق الدين لكل الناس.
أنه لا يعرف الدين إنما يشير إلى أن التدين أمر فطري في الإنسان سواء اعتنق الدين الحق أم الباطل.
- أرجح التعريفـــات
الديــن : هو اعتقاد قداسة ذات، ومجموعة السلوك الذي يدل على الخضوع لتلك الذات ذلا وحبا، رغبة ورهبة.
فهذا التعريف فيه :
شمول للمعبود، سواء كان معبودا حقا، وهو الله عز وجل، أو معبودا باطلا وهو ما سوى الله عز وجل.
كما شمل أيضا العبادات التي يتعبد الناس بها لمعبوداتهم سواء كانت سماوية صحيحة كالإسلام، أو لها أصل سماوي وحرفت كاليهودية والنصرانية، أو كانت وضعية غير سماوية الأصل كالهندوكية والبوذية وعموم الوثنيات.
كما يبرز التعريف حال العابد إذ لابد أن يكون العابد متلبسا بالخضوع ذلا وحبا للمعبود حال العبادة، إذ ذلك أهم معاني العبادة.
وبين التعريف أيضا هدف العابد من العبادة، وهو إما رغبة أو رهبة’ أو رغبة ورهبة معا لأن ذلك هو مطلب بني آدم من العبادة.
تعريف غير المسلمين للدين
إقتصرت تعريفاتهم على جوانب محددة غير شاملة أة جامعة لمعنى الدين أو التدين. فمنها من ركز على الأخلاق ومنها من ركز على التفكر والتأمل وغيرها، نذكر منهـــا :
يعرفــه كانــت بقولــه : إن الدين هو الاعتراف بواجباتنا كأوامر إلهــية جانب أخلاقي فقط.
ويعرفه سبنسر : بأنه الإحساس الذي نشعر به حينما نغوص في بحر الأسرار.
ويعرف: جون ستيوان مل : بأنه جوهر الاتجاه القوي المتحمس للعواطف والرغبات نحو هدف مثالي.
ويعرفه إدوارد كونـز : بأنه مجموعة من المطامع الروحية التي ترفض الإنصياع والخضوع للعالم الحسي وتزيل البواعث والضغوط التي تشدنا إليه شــدا.
ويعرفه بعضهم بأنه وسيلة من صنع البشــر.
يقول فولتير وروسو : إن الدين من صنع الدهاة الماكرين من الكهنة والقساوسة لعلاج أمراض المجتمع بكل حيلة.
ويقول الفرنسي جيبو : إن الدين لا علاقة له بشؤون المعاش.
تعريـف الملـــة
المعنى اللغــوي :
قال الراغب الأصبهاني : أصل الملة من أمللت الكتاب.
وقال الألوسي : زيادة: ومنه طريق ملول، أي سلوك معلوم كما قال الأزهري، ثم نقلت إلى أصول الشرائع باعتبار أنها يمليها النبي صلى الله عليه وسلم.
وتطلق الملة في اللغة على :
الدين والشريعة :
كما قال صلى الله عليه وسلم : " لا يتوارث أهل ملتين شتى "
السنة والطريقــة :
قال تعالى :" ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه"
قال ابن كثير :" ومن يرغب عن طريقته ومنهجــه.
المعنى الاصطلاحــي :
قال القرطبي : الملة اسم لما شرعه الله تعالى في كتبه وعلى ألسنته رسله.
وجاء تعريفها في الموسوعة الميسرة: بأنها جملة الأصول والعقائد التي يبلغها كل رسول أو نبي إلى قومه خاصة، قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
كما يفسر كثير من العلماء الملة بالدين.
وهذه التعريفات عرفت الملة الحق، ولم تنظر إلى املل الباطلة أو المحرفة، وقد ورد في القرآن إطلاق الملة على الدين الحق والديانات الباطلة و المحرفة.
فقد أطلق القرآن الملة على الحق: قال تعالى :" ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه"
وأطلق القرآن الملة على الباطل : قال تعالى :"ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"
قال الدكتور ناصر القفاري مقدمة في املل والنحل: ولكن المشهور لدى الأئمة كالإمام أحمد وغيره، استعمال لفظ ملة بالمعنى العام، أي على الديانات السماوية والنحل البشرية، وقد جاء إضافة الملة إلى غير الأنبياء في القرآن كما في قوله تعالى -حتى تتبع ملتهم- وقوله -إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله-.
الفرق بين الدين والملة
تبين لنا مما سبق أن الدين والملة متقاربان في أرجح التعريفات وكلاهما يطلقان على ما هو حق مثل دين الإسلام وملة الإسلام. وما هو باطل مثل ملة المجوس وملة المشركين.
لكن ثمة فروق بين الدين والملة ذكرها العلماء منها :
أن الدين يضاف إلى الله سبحانه وتعالى وإلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى آحاد العباد. فيضاف إلى الله تعالى لصدوره منه، وإلى النبي صلى الله عليه وسلم لظهوره منه، وإلى الأمة لتدينهم وانقيادهم.
- أما الملة فلا تضاف إلى الله سبحانه وتعالى، فلا يقال ملة الله، بل يقال ملة محمد صلى الله عليه وسلم و لا تضاف إلى العباد.
قال القرطبي الجامع لأحكام القرآن : فأما الدين فقد فرق بينه وبين الملة والشريعة فإن الملة والشريعة ما دعا الله عباده إلى فعله والدين ما فعله العباد عن أمره مثل الصلاة- الزكاة- الصوم...كل واحد يعتبر دين
أن الملة تستعمل في جملة الشرائع لآ في آحادها، فيقال ملة الإسلام ولا يقال ملة الصوم أو الصوم ملة، لكن الدين يستعمل في جملة الشرائع وآحادها فيقال : دين الإسلام ويقال الصوم دين والصلاة دين وحب الصحابة دين.
أن الدين خضوع وعبادة وتسليم، أما الملة فطريقة وسنة واتباع.
مناهج دراسة الأديان في الفكر الإسلامــي :
1-منهــج التاريخ والوصف :
- شغل تاريخ الأديان ووصفها مساحة واسعة من فطر المسلمين ، ووضعوا لذلك أسسا وأصولا و قواعد منهجية غير مسبوقة ، تميزت بالحيدة والنهزاهة، حيث أصل علماء الإسلام هذا المنهج ، ثم طبقوه بموضوعية ونزاهة على أديان العالم ، فكان لهم شرف كتابة تاريخ الأديان في الفكر الإنساني كله.
2- منهج التحليل والمقارنــة :
- لم تقف  جهود علماء المسلمين عند المنهج التاريخي الوصفي لكنها تجاوزته إلى المنهج التحيللي المقارن.
         ولم تتخذ المقارنة صورة واحدة أو شكلا واحدا ، وإنما اتسع مفهوم المقارنة لديهم وتمثل في صور متنوعــة.
- كدراسة جانب أو أكثر من ديانتين ثم يقارن بينهمـــا.
- أو دراسة ديانة واحدة دراسة عميقة ثم مقارنة تلك الدراسة بدراسة باحث آخـــر...
- أو دراسة مؤسسي الديانات والمقارنة بينهم.
3- المنهج التحليلي النقــدي :
         اهتم المسلمون بالدراسة النقدية ، حللوها تحليلا علميا دقيقا ، من بين ذلك الدراسات دراسة ابن حزم الأندلسي لنص العهدين القديم والجــــديد والتحليل النقدي لدعوى التثليث والصلب والقيامة في المسيحية ، والتناسخ في أديان الهند والنسخ في اليهودية ...
منهج الحوار والرد والمجادلــة :
كما عرف الفكر الإسلامي شكل المناظرات الحية التي كانت تتم في مجالس عامة أو خاصة بين علماء مسلمين وغير مسلمين من أصحاب الملل المختلفة ، تطبيقا لقول الحق سبحانه :- ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين – النحل 125.
وهناك مناظرات مدونة في رسائل أو في كتب.
وهناك دراسات وردود من المسلمين على بعض القضايا والمسائل الموجودة عند غير المسلميـــن.
الهدف من علم الأديان بالنسبة للمسلميـــــن :
         الهدف الحقيقي عند المسلمين هو الدفاع عن الإسلام بوصفه دين الحق ، وإظهار أنه دين التوحيد الخاص لا تثليث فيه ولا انغلاق كما في المسيحية واليهودية.
الرد على أقوال وشبهات المخالفين وإصداراتهـــــم.
أهميـــة علم الأديان في الوقت الراهــــــــــــــن:
الأمة الإسلامية أحوج إليه من أي وقت مضى ، وذلك للأسباب التاليــة :
- إن الإسلام دون بقية الديانات السماوية والحضارات الإنسانية هو الذي يتعرض لاتهامات باطلــة.
- وصفه بالإرهاب والتطرف  والتخلف والعدوانية وتم ترسيخ ذلك مع الأحداث الإجرامية التي نسبت إلى تيارات إسلامية شاذة.
- إبراز الوجه الحقيقي للإسلام بأنه دين التسامح والتعايش والانفتاح والحوار واحترام حقوق الإنســان.
         التصدي للغزو الصليبي والصهيوني الجديد الذي صار يغزو المسلمين في فكرهم وثقافتهـــــم.
         ومما يدعو أكثر إلى الاهتمام بهذا العلم وتطويره وإبرازه إلى الوجود مرة ثانية ، هو قابلية المجتمعات الغربية  اليوم واستعدادها لمعرفة الحقيقة عكس ما كانت عليه من قبــــل.
خاتمـــة : لا بد أن تكون نهضتنا نهضة قوية ومتحضرة تساير العصر وتتجاوب من متطلباته. أن تكون في مستوى التحدي الذي يفرضه عليها الاتجاه المعاكس الذي طور ولا زال يطور وسائله وأساليبه لتشويه الإســــــلام.


الدكتور عبد الرحيم العبدلاوي 


التعليقات : 0

إرسال تعليق


أخي الكريم، رجاء قبل وضع أي كود في تعليقك، حوله بهذه الأداة ثم ضع الكود المولد لتجنب اختفاء بعض الوسوم.
الروابط الدعائية ستحذف لكونها تشوش على المتتبعين و تضر بمصداقية التعليقات.

المشاركات الشائعة