| 0 التعليقات ]

الــــحـقـــــوق الـــمـــتــعـــلــقــة بــالـــتـــركـــة
يخرج من تركة الذي هلك ++حق تعلق ببعض ما ترك 
ثم مئونه فدين الذمة ++ ثم إيصاؤه والإرث في البقية
       إذا مات ابن آدم تعلق بما تركه من مال وحقوق مالية حقوق خمسة؛ هي مؤن التجهيز والحقوق العينية المتعلقة بعين التركة، والديون المرسلة، والوصية بالثلث فأقل لأجنبي، والإرث. وإليك بيانها على النحو التالي :
       أولا :  الحقوق المتعلقة بعين التركة
       الحقوق والديون المتعلقة بعين التركة؛ كالدين الموثق بعين مرهونة من مال الميت، وكثمن مبيع لم يستلمه البائع حتى مات المشتري، فهذه الحقوق مقدمة على مؤن التجهيز عند التزاحم في التركة، كما سبق بيانه.
       قال محمد البرهاني – رحمه الله - :
يبدأ أولا بما تعلقا            بعين تركة كرهن وثقا
به وجان وزكاة تلفى         ثم بتجهيز يليق عرفا

ثانيا : مؤن التجهيز
·       مؤن التجهيز هي : كل ما يحتاجه الميت من حين موته إلى أن يوارى في قبره؛ من نفقات غسله، وأجرة كفنه، وحمله، وحفر قبره، ودفنه، بدون إسراف أو تقتير
·       وقد اختلف الأئمة في تقديم مؤن تجهيز الميت على الديون المتعلقة بعين تركته على قولين :
* القول الأول : للأئمة الثلاثة؛ أبي حنيفة، ومالك، والشافعي – رحمهم الله -؛ وهو أن الحقوق والديون العينية المتعلقة بيعن التركة مقدمة على مؤمن التجهيز.
-       واستدلوا : بأن هذه الحقوق والديون سابقة التعلق بعين تركة الإنسان قبل وفاته، بينما مؤن التجهيز طارئة على تركته بعد مماته، وكل ما كان سابقا فهو مقدم على الطارئ.
* والقول الثاني : للإمام أحمد بن حنبل – عليه رحمة الله – وهو أن مؤن التجهيز مقدمة على الديون والحقوق العينية المتعلقة بعين التركة.
-       واستدل بدليلين :
·       أحدهما؛ أن كفن الميت ولوازمه الخاصة بتجهيزه   من الأمور اللازمة له فتقدم على غيرها، قياسا على تقديم حقوق الإنسان الشخصية على حقوق الغرماء في الحياة إذا أفلس. فقد كفن النبي صلى الله عليه وسلم حمزة ومصعبا يوم أحد كلا منهما بثوب لم يوجد لهما غيره، ولم يسأل هل عليهما دين أم لا.
·       وثانيهما :  أن سترة الإنسان واجبة في حال الحياة فكذلك بعد الممات. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته راحلته وهو محرم : «كفنوه في ثوبيه» (متفق عليه)
·       إذا لم يخلف الميت تركة، فمؤن تجهيزه على من تلزمه نفقته في حال الحياة؛ كالابن لو مات ولم يكن له مال فمؤن تجهيزه على والده؛ لأن نفقته تلزمه، فإن لم يوجد له قريب تلزمه نفقته أو وجد ولكنه معسر لا مال له فمؤن تجهيزه من بيت مال المسلمين، وإلا فعلى من علم حاله من المسلمين؛ لأن تكفين الميت ودفنه من فروض الكفايات التي إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن المسلمين وإن لم يقم بها أحد أثموا جميعا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : (من ظن أن غيره لا يقوم به تعين عليه).
وقال الإمام النووي – رحمه الله - : (لو مات إنسان ولم يوجد ما يكفن به إلا ثوب مع مالك له، غير محتاج إليه، لزمه بذله بقيمته، كالطعام للمضطر).
* مسألة :
إذا ماتت الزوجة فهل يلزم زوجها مؤن تجهيزها أم لا ؟
اختلف الأئمة – رحمهم الله – في مؤن تجهيز الزوجة إذا ماتت هل تلزم زوجها أم لا :
·       فذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن مؤن تجهيز الزوجة تجب على زوجها مطلقا، سواء أكان الزوج معسرا أم موسرا، وسواء أكانت الزوجة غنية أم فقيرة ؛ لقوله تبارك وتعالى : ]وعاشروهن بالمعروف[ (النساء : 19)، وليس من العشرة بالمعروف أن يتخلى عنها بعد وفاتها، ويزهد في تكفينها. وقياسا على وجوب النفقة لها في الحياة، فتجب بعد الممات بل أولى ؛ لاشتداد الحاجة.
·       وذهب الإمامان؛ مالك وأحمد إلى أن الزوج لا يلزمه مؤن تجهيز امرأته، سواء أكان معسرا أم موسرا، وسواء أكانت الزوجة فقيرة أم غنية، بل يجب ذلك في مالها إن كان لها مال، فإن لم يكن فعلى من تلزمه نفقتها حال الحياة، فإن لم يكن فعلى بيت مال المسلمين، وإلا فعلى من علم حالها من المسلمين.
-       واستدلا : بأن مالها من الحقوق على الزوج قد انقطع بموتها، والنفقة والكسوة إنما وجبت حال الحياة للتمكين من الاستمتاع، ولهذا تسقط بالنشوز والطلاق البائن، وقد انقطع كل ذلك بالموت، فأشبهت الأجنبية.               
·       وذهب الإمام الشافعي – وهو الرأي الراجح عند الحنابلة – إلى أن مؤن تجهيز الزوجة تجب على الزوج إذا كان مؤسرا، فإن كان معسرا فلا تلزمه، وهي كغيرها من المسلمين.
-       واستدل بقول الله تعالى : ﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا   (الطلاق : 7)
فليس من العشرة الحسنة أن يترك الزوج زوجته بدون تجهيز بعد موتها؛ لأن العلاقة الزوجية باقية لم تنقطع بالموت، بدليل أنه يرثها وترثه، ويغسلها وتغسله، وليس من العدل أن تلزمه بذلك إذا كان معسرا.
* وهذا القول أولى بالصواب من غيره وأرجح، لأنه من مظاهر العشرة بين الزوجين بالمعروف؛ ولما فيه من العدل والتوسط، وعدم الإضرار بكلا الزوجين.
ثالثا : الديون المرسلة
·       الديون المرسلة : هي الديون التي لم تتعلق بعين التركة، وإنما تعلقت بالذمة، سواء أكان الدين لله تعالى، ككفارة وزكاة، مات الإنسان قبل أدائها، أم كان لآدمي، كسلف، وقرض، وأجرة، ونحو ذلك.
فتوفى ديون الميت المرسلة من تركته بعد تجهيزه، ووفاء الحقوق المتعلة بعين التركة.
* مـــســـألـــة :
إذا لم تف التركة بدين الله تعالى ودين الآدمي، فأيهما يقدم ؟
اختلف الأئمة الأربعة – رحمهم الله – في أيهما يقدم إذا ضاقت التركة عن وفاء الديون المرسلة؛ دين الله تعالى، أم دين الآدمي ؟
·       فذهب الحنفية والمالكية : إلى أن دين الأدمي يقدم على دين الله تعالى؛ لأن ديون العباد مبنية على المشاحة والمطالبة والحاجة، بينما دين الله تعالى مبني على المسامحة والعفو والتجاوز والاستغناء عنه.
ويقدم عند الحنفية دين الصحة على دين المرض؛ لأنه أقوى منه في الثبوت؛
ودين الصحة: هو ما كان ثابتا لصاحبه بالبينة، أو بالإقرار حال حياة الميت، أو ثبت بالإقرار به من الميت في حال مرضه، وكان سببه معلوما كثمن دار اشتراها، أو سيارة ابتاعها منه ولم يوفه قيمتها.
ودين المرض : هو ما ثبت بإقرار الميت في مرض موته؛ ومرض الموت : هو المرض الذي يتصل به الموت غالبا، وإن مات بسبب غيره، كمرض السرطان مثلا.
·       وذهب الشافعية – في القول الصحيح عندهم – إلى أن حقوق الله تعالى مقدمة على ديون العباد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء». (رواه البخاري وغيره)
·       وذهب الحنابلة إلى أن الغرماء يتحاصون في تركة الميت على قدر ديونهم، كما يتحاصون في مال المفلس حال الحياة، سواء أكانت الديون لله تعالى ككفارة لم يخرجها الميت حتى مات، أم كانت الديون لآدمي كقرض وأجرة ونحوها، أم كانت مختلفة ومختلطة.
* وهذا القول أولى من غيره؛ لأن فيه وفاء لكل صاحب حق، وما لا يدرك كله لا يترك جله، فإعطاء صاحب الحق جزء من حقه خير بلا ريب من تركه كله.

* مسألة :
اتفق العلماء على أن الدين مقدم على الوصية، بالنص والإجماع والمعقول؛
-       فأما النص : فهو قول علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - : «إنكم تقرؤن هذه الآية :﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ  (النساء : 11)، وإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالدين قبل الوصية». (رواه أحمد، والترمذي)
وقال – رضي الله عنه - : «الدين قبل الوصية، ولا وصية لوارث».
والقاعدة في الأصول : أن قول الصحابي فيما ليس للرأي فيه مجال له حكم الحديث المرفوع، وهو حجة.
-       وأما الإجماع : فقد انعقد إجماع أهل العلم على تقديم الدين على الوصية. قال الترمذي : (العمل على هذا عند أهل العلم).
·       وأما المعقول : فهو أن الوصية تبرع، والدين واجب، والواجب مقدم على التبرع فإن قيل : لم قدمت الوصية على الدين في القرآن، في قوله تعالى :﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ  (النساء : 11)،
فالجواب على ذلك من وجوه :
·       الأول : أن هذا التقديم إنما هو من باب الاهتمام بها والعناية ؛ لأن الوصية قد يشق إخراجها على الورثة لكونها مأخوذة بلا عوض، وأما الدين فنفوسهم إليه مطمئنة.
·       الثاني : أن الدين له من يطالب به، بينما الوصية ليس لها من يطالب بها، فقد تضيع ويتركها الورثة، فقدمت على الدين حثا على وجوب المسارعة بها، وإخراجها.
·       الثالث : أن الدين حق للحي، والوصية حق للميت، فناسب أن يقدمها الله تعالى في الذكر على الدين من باب التذكير بها، لئلا تنسى.
رابعا : الوصية
       رابع الحقوق المتعلقة بعين التركة الوصية ؛ وهي في اللغة : العهد بالشيء ؛ تقول أوصى لفلان إذا عهد إليه بأمر، أو هي مأخوذة من وصيت الشيء إذا وصلته، فالموصي وصل بعض التصرف الجائز له في حياته ليستمر بعد موته.
·       واصطلاحا : تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع، سواء أكان في الأعيان، أم في المنافع.
والأصل في مشروعيتها : الكتاب، والسنة، والإجماع :
·       فالكتاب : قوله تعالى : ]كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين[ (البقرة : 180).
·       وأما السنة : فما روى سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم زاره في مرض اشتد به عام حجة الوداع، فقال : يا رسول الله ! إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : «لا !»، قلت : فالشطر يا رسول اله ؟ فقال : «لا !»، قلت : فالثلث يا رسول الله ؟ قال : «الثلث، والثلث كثير – أو كبير – إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس». (متفق عليه)
·       والإجماع منعقد على مشروعية الوصية لمن كان له مال، وأنها من القربات التي تنفع الإنسان بعد مماته.
فإذا مات الإنسان نفذت وصاياه بعد مؤن تجهيزه، وأداء الحقوق والديون التي للغير عليه، ويشترط في تنفيذ هذه الوصايا ما يلي :
-       الشرط الأول : أن تكون الوصية في حدود الثلث، لقوله صلى الله عليه وسلم لسعد : «الثلث، والثلث كثير»، ولقوله صلى الله عليه وسلم : « إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم، زيادة في أعمالكم». (رواه ابن ماجة عن أبي هريرة.  
-       الشرط الثاني : أن تكون الوصية لأجنبي عن الميت يعني لغير وارث ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « إن الله قد أعطى لكل حق حقه ، فلا وصية لوارث » رواه أحمد والترمذي وحسنه .
-       إلا إذا أجاز الورثة الوصية للوارث بعد موت مورثهم فإن الوصية له تنفذ ، لأن الحق لهم ، فإذا أجازوه صح ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا تجوز وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة » رواه الدارقطني وسنده لابأس به ، وله شواهد .
-       الشرط الثالث : أن تكون الوصية مباحة شرعا غير محرمة ، ومثال الوصية المباحة : الوصية لذي رحم مسلم ، والوصية ببناء مسجد ، أو طبع كتب ...
-       ومثال الوصية المحرمة : الوصية لدور اللهو والخمر ونحوها .
خامسا : الإرث :
خامس الحقوق المتعلقة بتركة الميت : الإرث ، وتقسيمه على الورثة المستحقين شرعا ، على ما سيأتي تفصيله .
فإن كان للميت ورثة شرعيين ، أخذوا فروضهم ، فإن زاد شيئ وليس ثم عاصب ، رد الباقي على الورثة عدا الزوجين فلا يرد عليهما ، فإن لم يكن ثم وارث شرعي ، لا بالفرض لا بالتعصيب ، ووجد ذو رحم ورث ، فإن لم يوجد وارث شرعي ، ولا ذي رحم وقرابة للميت فإن المال يذهب لبيت مال المسلمين وينفق على المصالح العامة .
المصدر : الدكتور حسين مختاري


التعليقات : 0

إرسال تعليق


أخي الكريم، رجاء قبل وضع أي كود في تعليقك، حوله بهذه الأداة ثم ضع الكود المولد لتجنب اختفاء بعض الوسوم.
الروابط الدعائية ستحذف لكونها تشوش على المتتبعين و تضر بمصداقية التعليقات.

المشاركات الشائعة